٥٩

(بطاقة عالم)

العلامة الشيخ حسين معتوق (طاب ثراه)

من علماء جبل عامل الأجلاء، وأحد الذين أسّسوا في بناء مجتمع متديّن في ستينات القرن

الماضي، وخرج عليه العديد من الكوادر المؤمنين الواعين الذين نهضوا بأعباء هذه المسيرة.

فقد ولد رحمه الله في قرية (العباسية) من جبل عامل سنة ١٣٣٠هـ / ١٩١٢م، قبل الحرب العالمية الأولى بسنتين، وعاش اليُتم و الفقر الشديد في صغره، ولم يمنعاه من التفكير الجدّي بالتوجه نحو طلب العلم و السفر إلى العراق، بعد أن قرأ في طيردبا على العلامة الشيخ حسين مغنية المقدمات. وفي النجف درس السطوح على السيد حسين الحمامي و السيد محمود الشوشتري، والبحث الخارج على الشيخ محمد علي الخراساني الكاظمي والشيخ عبد الحميد ناجي، ثم انقطع بالدرس إلى السيد محسن الحكيم، وكانت تربطه زمالة وعلاقة طيبة بالسيد محمد سعيد فضل الله، وبأخيه السيد عبد الرؤوف فضل الله.

بقي في النجف حوالي ربع قرن منكبّاً على التحصيل العلمي وتربية النفس، حتى قرّر العودة إلى جبل عامل سنة ١٣٧١هـ.

سكن في منطقة الغبيري وكان معتمد المرجع الديني العام السيد محسن الحكيم {، فعمل رحمه الله على مواجهة المدّ اليساري المنحرف، وشعاراته التي تستهوي الشباب والفتيات، وخصوصاً في ظل غياب الجاذبية الإسلامية، أو المشروع البديل، فكان لا بد من خطوات عملية؛ منها: النهضة الحسينية، وكانت مع الأسف من خلال قرّاء لا تستهوي الشباب أو تجذبهم، مما اضطر الشيخ معتوق لاستدعاء قارىء عزاء من النجف الأشرف، فكان المرحوم الشيخ عبد الوهاب الكاشي، الذي ترك أثراً طيباً في تطوير المنبر الحسيني.

ومنها: أعطى الشيخ حسين معتوق أهمية خاصة لصلاة يوم الجمعة، وليالي شهر رمضان المبارك.

ومنها: عمل على بناء المؤسسات الإجتماعية و التربوية، مضافاً لمساعدة الفقراء والحالات المرضية.

ومنها: عمل على النهضة العلمية من تدريس الطلاب و تشجيعهم للذهاب إلى النجف الأشرف ومتابعة الدراسة.

توفي في قرية صير الغربية ودفن فيها نهار الأربعاء ١٦ صفر ١٤٠١هـ / كانون أول ١٩٨٠م.

الشيخ سليمان ضاهر

الشيخ أحمد رضا

السنة الخامسة ــ العدد التاسع والخمسون ــ تشرين الثاني ٢٠١٦م ــ صفر ١٤٣٨هـ.

شخصية العدد

الشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد رضا

العالم الفاضل الأديب والمؤرخ الشيخ سليمان ظاهر، من فضلاء جبل عامل الفاعلين والمؤثرين، ومن الذين تركوا بصماتٍ طيبةٍ لا زالت آثارها ظاهرةً على مدى الأجيال والعصور، وكما خُلّدت كتبه وآثاره العلمية والأدبية، أيضاً، سوف تُخلّد مواقفه الوطنية التي كان الباعث فيها التكليف الشرعي والمسؤولية الدينية التي دعته للعمل ليل نهار لتحمّل الأعباء والسير باتجاه المخاطر. والتي كادت تلك المواقف من العثمانيين والفرنسيين أن تودي بحياته في أكثر من مرة، فعاش ــ رحمه الله ــ مجاهداً مناضلاً مدافعاً عن الحق والوطن والإنسان، رافضاً الظلم والطغيان.

ولادته:

كانت سنة ١٢٩٠هـ/ ١٨٧٣م في مدينة النبطية، صاحبة التاريخ العريق والمواقف الجريئة التي أنتجت علماء بالفقه والأصول والأدب والشعر، ورجالات بالسياسية، ومخترعين ومبدعين في أكثر من مجال على الصعيد المهني أو الأدبي، ولا زالت هذه البقعة الطيبة معطاءة ومنتجة، ولها حضورها وفعاليتها، ولعلّ الذي ساعد الشيخ سليمان على التوجه نحو طلب العلم وتبوؤه هذه المهمة الإلهية، هي توفيقه بوالد صالح كان محباً للعلم العلم والعلماء، والذي لم يتوفق إليه الوالد مباشرةً أراد أن يراه في صلبه ليكون شريكاً في الأجر والثواب، واطلع الله تعالى على نيته الصادقة وعلى إخلاصه فأعطاه ما أراد، فكان الشيخ سليمان ظاهر الذي لم ينته ذكره برحيله، بل استمر حضوره الأدبي والتاريخي ومواقفه الجريئة إلى يومنا هذا، تتناقلها الأجيال ويكتب عنها الباحثون، وهم مضطرون لذكر والده صاحب الفضل الأول في رعاية وتربية وتوجيه الشيخ سليمان ظاهر.

المحطة الأولى من حياته:

كانت التنقل بين مدارس جبل عامل التي انتشرت بحسب حضور علماء تلك المرحلة، إذا لا يوجد في جبل عامل مدرسة دينية على طريقة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وإذا ما وجدت مدرسة فاعلة، فيكون ذلك ببركة ذلك العالم الذي سكن هذه القرية أو تلك المدينة، وغالباً ما كانت تنتهي تلك المدرسة برحيل مؤسّسها على عكس النجف التي كانت مركزاً علمياً يتناوب التدريس فيها جيلٌ من كبار الأساطين، وإذا ما فُقد أحدهم وغادر هذه الحياة الدنيا، يتصدّى آخر لسدّ الفراغ وتوليد الطاقات، ولهذا لم تنته تلك الحوزة العلمية، ولم تتوقف عن التدريس والمذاكرة، تحت أي ذريعة سواء فَقدُ أحد الأساتذة أو ظروف سياسية معقدة.

لهذا نرى الشيخ سليمان ظاهر وإخوانه من الطلبة مضطرين لأن يذهبوا إلى أماكن مختلفة من جبل عامل للدرس والتحصيل، وبحسب تواجد العلماء في تلك الأمكنة.

كان العلامة السيد محمد نور الدين في (النبطية الفوقا)، متصدياً للعمل الديني وتدريس الطلاب، ويوجد في (النبطية الفوقا) مدرسة لا زالت آثارها إلى اليوم، وتعرف بمدرسة (آل نور الدين)، وبعد أن تعلم الشيخ ظاهر القرآن الكريم والكتابة والقراءة، انتقل إلى (النبطية الفوقا) ليقرأ في تلك المدرسة المبادئ العامة للغة العربية.

وفي تلك الفترة، كان يسكن في (النميرية) - بعدما عاد من العراق - العلامة السيد حسن إبراهيم مكان أبيه العلامة السيد علي إبراهيم الذي شيّد مدرسة في البلدة، بعدما انتقل إليها من (كوثرية السياد).

غادر الشيخ سليمان إلى (النميرية)، ودرس ما يقرب من السنة في مدرسة السيد حسن إبراهيم، وكان ما يحصل عليه الطلبة من درس خلال سنة يعادل سنوات من تحصيل اليوم.

وفي سنة ١٢٩٨ هـ، عاد من النجف الأشرف العلامة الشيخ موسى أمين شرارة إلى مدينة (بنت جبيل) بسبب مرض ألمّ به، وأطلق لحظة عودته العنان لمشروعه الإصلاحي، منها تشييد مدرسة دينية، استمرت حتى رحيله سنة ١٣٠٤هـ، وعلى ما يظهر فإنّ الشيخ سليمان انتقل إلى (بنت جبيل) واشتغل بتحصيل بعض المقدمات على طلبة الشيخ موسى، حيث كان العلامة السيد نجيب فضل الله يُدرّس الطلبة المقدمات ومنها كتاب (مغني اللبيب)، وعاد الطلاب إلى بلادهم بعد رحيل الشيخ موسى سنة ١٣٠٤هـ.

وفي سنة ١٨٩٢م شيّد العلامة السيد حسن يوسف مكي مدرسته الشهيرة في مدينة النبطية بعدما قَدم إليها من قريته (حبوش) بدعوة من أهاليها، وكانت من المدارس الأساسية التي ذاع صيتها ولا زالت آثاراها، بسبب الطلاب الذين تخرجوا منها: كالشيخ سليمان ظاهر، والشيخ أحمد رضا، والشيخ أسد الله صفا وغيرهم، والذي ساعد على حضورها وتفعيلها وجود السيد محمد إبراهيم نجل السيد علي إبراهيم، الذي والدته كريمة الشيخ حسن القبيسي مؤسس المدرسة الأولى في جبل عامل بعد نهاية حكم الوالي العثماني أحمد باشا الجزار سنة ١٨٠٤م.

ويمكن القول أن شخصية الشيخ ظاهر العلمية والأدبية والفكرية، صُقلت في مدرسة النبطية، وكان يحضر الفقه والأصول على نفس السيد حسن يوسف مكي الذي عُرف بحضوره العلمي والإجتماعي والسياسي، وكان شخصية فاعلة مؤثرة، استفاد الطلاب من علمه وتجاربه، وهذا ما انعكس على شخصيتهم وسلوكهم، فكان حضورهم الفاعل هو انعكاس لشخصية الأستاذ والمربيّ السيد حسن يوسف مكي. وفي سنة ١٩٠٦م ارتحل السيد مكي عن دار الدنيا وأغلقت المدرسة أبوابها قبل أن يدعو أهالي النبطية العلامة الشيخ عبد الحسين صادق رحمه الله ليقدم إليهم من بلدته (الخيام) التي كان إماماً فيها.

بعد رحيل السيد حسن يوسف مكي، كانت بداية نشاط الشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد رضا، وعندما تذكر أحدهما لا بُدَّ لك إلا وأن تذكر الآخر، فهما من مدرسة واحدة ومن منهجية فكرية واحدة، لذلك لا يمكن أن ترى أحدهما في مكان من دون أن تجد الآخر إلى جنبه، وعندما نستعرض الحياة العلمية والأدبية والسياسية والجهادية، فلا نحتاج معها إلى ذكر الإسمين فيكفي أن تذكر واحداً وتُشير للآخر، وبالتلازم الذهني عندما يحضر أحدهما يحضر معه الآخر.

وقبل أن أستعرض الحياة العلمية السياسية والإجتماعية لهاتين الشخصيتين لا بدّ وأن أستعرض بعضاً من سيرة العالم الفاضل الشيخ أحمد رضا.

ولد الشيخ أحمد رضا، في مدينة النبطية، تلك القلعة التي أنتجت العلماء والأدباء ورجال السياسة وعانت وتحملت وقدمت الشهداء في سبيل العزّة والكرامة، مستفيدين في كل ذلك من مدرسة الولاء والحب لأهل البيت R، وذلك سنة ١٨٧٢م، وفي بيتٍ عُرف بالصلاح والحضور الإجتماعي، فوالده الذي وصفته جريدة (المجلة) التي كانت تصدر عن المجمع العربي في دمشق في عدد ٢٨ ص٦٤٠: (أنه من أعيان جبل عامل، ومعروف بالصدق والأمانة، وأصالة الرأي، وحب الفضيلة).

وعلى عادة هكذا آباء واعين ومخلصين حيث يحرصون على تعليم أبنائهم وتوجيههم إلى الدرس والتحصيل والعمل الإجتماعي.

فبعد أن قرأ القرآن الكريم وتعلّم الكتابة والإملاء وخصوصاً التجويد، إنتقل إلى المدارس الدينية التي شيّدها العلماء في المناطق، ففي تلك المرحلة كان قد ترك (النميرية) العلامة السيد حسن إبراهيم وتوجه إلى بلدة (أنصار) ليكون إماماً لها مكان والد زوجته، الشيخ سلمان العسيلي، حيث كان قد شيّد مدرسة دينية فيها، وبعد قدوم صهره السيد حسن إلى أنصار، قام مقامه على رأسها، وكانت من المدارس المهمة في تلك المرحلة، حيث حازت على عناية خاصة من السيد حسن إبراهيم، فانتقل الشيخ أحمد رضا إليها ودرس فيها إلى جنب جملة من الطلاب، منهم: الشيخ خليل كوثراني، والشيخ أحمد عبد المطلب مروة، والشيخ باقر بن الشيخ الحافظ محمد حسين مروة، والشيخ طالب سليمان البياضي، والشيخ حسن إبن الشيخ محمد علي القبيسي وغيرهم.

عاد إلى النبطية، وصار يتردّد على العلامة السيد محمد نور الدين في (النبطية الفوقا)، فقرأ عليه المقدمات ومنها: شرح ألفية ابن الناظم.

وفي سنة ١٨٨٤م، توفي والده فانقطع الشيخ أحمد رضا عن الدرس بسبب انشغاله بالعائلة، حتى كان قُدوم السيد محمد إبراهيم نجل العلامة السيد علي إبراهيم من (كوثرية السياد)، إلى مدينة النبطية، وكان السيد محمد إبراهيم قد برع في العلوم الطبيعية، فلازمه الشيخ أحمد رضا واستفاد منه، ودرس عليه المختصر في علم البيان، وشرح التهذيب، ورسائل ابن سينا في الطبيعيات، وجلاء الارتياب في الإلهيات، وهي رسالة مقتبسة من كتاب أسفار ملا صدر الدين الشيرازي، كما درس عليه الأدب العربي.

في سنة ١٨٩١م، قدم إلى النبطية من (حبوش) العلامة السيد حسن يوسف مكي بدعوة من أهاليها، وشيد مدرسته الشهيرة والتي سمّيت بـ (الحميدية) وانتهت بموت السيد حسن سنة ١٩٠٦م، وكانت من المدارس المهمة في تلك المرحلة، وصار الطلاب فيها يُدرّس بعضهم البعض، والذين أنهوا المقدمات أصبحوا يحضرون الفقه والأصول على السيد حسن مكي.

وبرحيل السيد حسن يوسف مكي سنة ١٩٠٦م أغلقت المدرسة أبوابها، وعاد الطلاب إلى قواعدهم ليضعوا لأنفسهم خطة عمل، ويكملوا مسيرتهم العلمية والأدبية والإجتماعية، ولم يفكر الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر بالهجرة إلى العراق، أو الإقتصار على العمل التقليدي الذي يقوم به غالب علماء الدين من وعظ ٍوإرشادٍ وإصلاح ذات البين وإحياء المناسبات، مضافاً لهذه الأمور التي هي من صميم مسؤولية رجل الدين، كان لا بدّ من حجز موقع متقدّم على صعيد العمل الفكري والسياسي، وخصوصاً كانت المنطقة تمر بمرحلة دقيقة، فهناك الحرب العالمية الأولى التي نشبت سنة ١٩١٤م واستمرت إلى سنة ١٩١٨م، وانتهى معها الحضور العثماني عن بلادنا، وعندما شعر العثمانيون بتلك الإرهاصات وأنها تنسجم مع ميول الناس للتخلص من الظلم والجهل العثماني، وبدل من أن يصحّحوا مسارهم وأسلوبهم على طريقة (يالرايح كتر من المنيح) فهم عملوا بالعكس، فعيّنوا واليهم على سوريا (جمال باشا السفاح) وكان على طريقة سلفه اللعين أحمد باشا الجزار، بل رفع من وتيرة العداء ضد أهالي المنطقة، من التعذيب والتنكيل والقتل.

الفكر الإصلاحي عند العلامتين الشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد رضا

فقد عاصرا تداعيات نهاية الحكم العثماني، وقيام الإنتداب الفرنسي والبريطاني في المنطقة، وأخيراً، الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وما رافقت تلك المرحلة من حركات تبشيرية متصهينة، مدعومة بنفاق داخلي، كان همّهم أن يحمّلوا الإسلام وعلماءه مسؤولية كلّ ما حدث من نزاعات وحروب ودمار وفقر وحرمان وتشتت، لهذا كان لا بدّ من وجود رجالات إصلاح واعية تقف في وجه هؤلاء، وتعبّر عن الإسلام الحقيقي، وتحمّل مسؤولية ما حدث لهؤلاء الشياطين، فكانت رجالات الحركة الإصلاحية لهم بالمرصاد، كالسيد محسن الأمين والشيخ حبيب آل إبراهيم، والشيخ محمد جواد مغنية، والشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر وغيرهم، فهؤلاء العلماء القادة لم يتفرجوا على حركة ونشاط الإستعمار وأعوانه، كما لم يكتفوا بالإستنكار القلبي، كما فعل البعض، بل عمدوا إلى سدّ الخلل كي لا ينفذ منه العدو، فبنوا المؤسسات وشيّدوا المدارس والمعاهد، وصنّفوا في اللغة ونشروا الثقافة والأدب وحرّضوا على الجهاد، وبهذا حافظوا على الهوية التي أراد الإستعمار وعملاؤه إفقادها للناس، من خلال تمييع اللغة، وتشويش الفكر، وإبعادهم عن قيادتهم الحكيمة، من خلال التشويش على هذه القيادة.

ولمواجهة هؤلاء كان لا بد من وضع خطة عمل:

أولاً: عمل الشيخ أحمد رضا والشيخ سليمان ظاهر على توعية الناس وتذكيرهم بخالقهم، وبالموت والآخرة، من خلال الوعظ والإرشاد، وربطهم بالمساجد والحسينيات ومجالس العزاء، مضافاً لإصلاح شؤونهم وحلِّ مشاكلهم، وهذا ما نسميه (بإصلاح ذات البين).

ثانياً: العمل على التعليم والتربية، إذ لا يمكن لأي أمّة أن تنهض، وهي تغط عميقاً في بحر الجهل، فنرى الشيخ سليمان ظاهر يقول: «آفة الأمم تكمن في مصانعة الخاصة للعظماء والأمراء، والمصانعة أي (التملق)»، وأضاف: السبب في التصنّع والتملق، أن الإنسان في داخله (عاملين) أحدهما يجذبه إلى الخير، والآخر يجذبه نحو الشر، وتغلّب أحد العاملين على الآخر، تبعاً للمقتضيات وسيراً مع المؤثرات. أما المصانعة برأيه، فإنها تنطلق من الخوف والرجاء والطمع، ويجمعها دناءة النفس، وضعف الإرادة، ولؤم الطبع، وبالتالي هو الجبن بعينه، والجبن، هو مصدر خنوع الأمة وهيمنة الظلمة، والإستسلام للسلطة والسلطان، فتمسك الناس بمصانعة الطغاة، هو دفعاً لمغرم، أو جلباً لمغنم، أو طمعاً في الرجاء، أو أمناً من الخوف، فهذا كله يُلحق ضرراً هائلاً على حياة الأمة».

هذا الموقف هو نموذج من المشروع التربوي عند الشيخ سليمان ظاهر، ويكشف عن موقعه المتقدّم وفكره النيّر، وصلابته وإرادته في مواجهة الطغاة مهما علا شأنهم، وأنّ خوفه على هذه الأمة هو من نفسها ومن جهلها ومن تراجعها، أمام المغريات والخوف.

أما الشيخ أحمد رضا فقال: «على القيمين أن يحسنوا التعليم الديني المبني على الكتاب والسنة الصحيحة، ويُغذوا به عقول الناشئين».

وقال في مكان آخر في مجلة العرفان: «إنّ ضياع مجد الأمة وحضارتها الإسلامية هو تركهم للتربية الصحيحة القائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن هذه الخصلة كان بها الإسلام أمة حيّة متناصرة متعاونة، حتى مدت جناح سلطتها على المعمورة بأقل من قرن، وأصبح فيها المسلم في عزّ عزيز بعزِّ أمته وقوة عصبيته، حتى أُهملت التربية، وترك بنوها هذه الطريقة، فداخلها الضعف، وكاد يُلاشيها الإنحلال».

ثالثاً: عملا على الإستفادة من تطور الغرب من دون التأثر بأخلاقهم، أو إعطائهم فرصة النفوذ في داخل المجتمع، ليجعلوه مندمجاً بأخلاقهم وسلوكهم، ويبعدوه عن دينه وعاداته، ولهذا عمدا إلى التوفيق بين الأصالة الإسلامية وبين الحداثة القادمة من الغرب.

رابعاً: عملا على تحصين اللغة من الإنحراف والتشويش عليها، وبرز الشيخ أحمد رضا كأحد مراجع اللغة العربية، فأعطاها حيزاً مهماً من وقته ومتابعاته، حيث خاف على هذا التراث العربي، وخصوصاً أنّ كماً هائلاً من المفردات طرأت على اللغة، وهناك المستحدثات في مختلف العلوم والصناعات، وفي سنة ١٩٣٠م، طلب منه المجمع العلمي العربي في دمشق، أن يعمد إلى تأليف كتاب (معجم لغوي) يجمع فيه بين متن اللغة باختصار (مفيد) ثم يضم إليه ما وضعه كل من المجمع العلمي في دمشق والمجمع العلمي في القاهرة، من الكلمات المنتخبة للمعاني المستحدثة، وأيضاً ما طرأ على اللغة من مفردات استعملت في زمن العباسيين، وهذا الجهد دام ثماني عشرة سنة، هذا ناهيك عن المقالات اللغوية التي انتشرت في بطون المجلات والجرائد.

كذلك الشيخ سليمان ظاهر، فإنه لم يترك فرصة إلّا واستخدمها في سبيل الدفاع عن اللغة العربية، حيث كان يعتبر أنّ الإستعمار لم يتمكن من النيل منها، رغم أنّه نجح في أمور كثيرة، أوصلت إلى حدّ استعباد الشعب العربي، ولكنه لم يستطع أن يفرض عليه التخلي عن لغته، كما اعتبر الشيخ ظاهر، أنّ تحصين اللغة العربية هو بفضل ما وضع لها من القواعد والعلوم، وتَعلُّم الناس لها لا يتنافى مع مطالب حياتهم مهما تنوعت، ومهما شغلوا أنفسهم في علوم أخرى، والعرب قبل تدوين اللغة ووضع فنونها، وحتى في عنفوان سلطانهم وانشغالهم، إلّا أنّ ذلك لم يحل دون إتقانهم لغتهم والتعبير بها عن كل أغراضهم، وأضاف: حتى في عصر التدوين، ونقل علوم الفرس والهند واليونان إلى اللغة العربية، لم تضق ذرعاً عن نقل العلوم ومصطلحاتها، بل وعن تعريب ما لم تكن له مادة فيها، أما دعوى الهوة بين العامية والفصحى يقول الشيخ سليمان: «إنّ العامة لم يُتح لها التعليم، كانت وما زالت تأخذ فروض دينها وتتلقى أحكامه وتستمع إلى المواعظ البليغة الخاصة».

أمّا فيما يتعلق بالموقف من العهدين العثماني والفرنسي، فكان موقف الشيخ سليمان ظاهر واضحاً من الحضور التركي الذي عاث فساداً، في تلك المرحلة من نهايات حكمه، فنجد المناطق العربية قد عاشت أبشع أنواع الظلم من تجويع وإفقار.

وجاء الأمل بالحرية عندما استلمت جمعية الإتحاد والترقي زمام الأمور بعد خلع السلطان عبد الحميد، ولهذه الغاية نهضت عدّة فروع لهذه الجمعية في مختلف المناطق، ومنها في مدينة النبطية، وذلك سنة ١٩٠٨م، وقاد هذا الفرع الشيخ ظاهر والشيخ أحمد رضا ومعهما المؤرخ محمد جابر آل صفا، ومع الآسف لم تدم هذه الفرحة طويلاً، وإذ بالإتحاديين يُعلنون، أن الأمة التركية كانت وستظل هي الأمة الحاكمة لبقية عناصر غير الدولة التركية.

وفي سنة ١٩١٣م، عُقد مؤتمر في باريس للبحث في شؤون ما آلت إليه الأمور، وشارك في هذا المؤتمر، كل من: الشيخ سليمان ظاهر والشيخ أحمد رضا ومحمد جابر صفا، من خلال تقديم ورقة عمل (إصلاحية)، ونظمت القصائد والمقطوعات الأدبية، وأُلقيت الكلمات في مظالم الترك.

وما كان من الوالي العثماني في سوريا ولبنان (السفاح جمال باشا) ليتفرج على الأحداث، فعمد إلى تشكيل محكمة صورية في (عاليه) وعَلّق المشانق في ساحة الشهداء وفي ساحة المرجة بدمشق، ولولا اللطف الإلهي لكان الحكم بالإعدام قد طال الشيخ ظاهر والشيخ أحمد رضا ومحمد جابر صفا، لولا أن القاضي لم يتمكن من إثبات علاقتهم بالثورة.

وأمّا الموقف من العهد الفرنسي

فكان موقف الشيخ أحمد رضا إلى جنب الشيخ سليمان ظاهر، موقفاً صلباً ليس فيه إلّا الثبات ورفض الإحتلال، وعندما دخل الحاكم الفرنسي إلى مدينة النبطية، لم يلقَ ترحيباً من قبل المسلمين الشيعة، سوى من بعض النصارى، وهنا وقف الشيخ أحمد رضا خطيباً وقال: «نحن نشكر فرنسا كمحرر للشعوب، ولا نشكرها كمستعمر لبلدنا»، وعندما استدعاه الكولنيل الفرنسي هو والشيخ سليمان ظاهر إلى صيدا، وحذّرهما مما هما عليه، من تأييد النهضة العربية بالشام، وتوعدهما إن فعلا شيئاً ضد الفرنسيين، سيكون له موقف خاص معهما، وهنا ردّا عليه: «نحن عرب ونفتخر، وآمالنا كلها إستقلالية، وهل أنت تقبل أن يحكمك غير الفرنسي؟».

واعتبر الشيخ أحمد رضا أنّ الإحتلال الفرنسي هو استمرار وإحياء للمشروع الصليبي الذي احتل المنطقة زهاء قرنيين من الزمن، وهذا ما عبّر عنه بوضوح الجنرال غورو، عندما ألقى خطاباً في دير البلمند، ومما قاله: «دعوني أستعيد وإياكم تلك الذكريات العظيمة التي ترف فوق هذا الدير القديم، ألا وهي عمل آبائي الصليبيين، الذي قاوم الدهر واخترق الأجيال..».

لهذا كان الشيخ ظاهر والشيخ أحمد رضا وبقية قادة الإصلاح يعتقدون، أن مشروع الفرنسيين هو امتداد لمشروع الصليبيين، لذا عمدوا إلى مواجهته بكل الأساليب المتاحة، بالمقاومة المسلحة، والمؤتمرات، والندوات، واستنهاض الناس، وعدم الإنزلاق نحو الفتنة الداخلية، ففي يوم السبت الواقع في ٢٠ نيسان ١٩٢٠م، انعقد مؤتمر وادي الحجير، بدعوة كريمة من الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين، وبالتنسيق مع الزعيم السياسي كامل الأسعد، وكلٌّ بخلفية مختلفة، وكان الهدف منه دعم خيار المقاومة والوقوف في وجه الفتنة بين المسيحيين والمسلمين، مضافاً، للدعوة إلى سوريا الكبرى حماية لجبل عامل من القضم.

توفي الشيخ أحمد رضا سنة ١٩٥٣م، ولعلّ السبب في مرضه ورحيلهِ، هو فقده لولده الأكبر، وكان أحبّهم إلى قلبه وذلك عام ١٩٤٨م، وللشيخ أحمد العديد من القصائد التي يُعبر فيها عن ألمه وعن شعوره بالحزن، حتى كانت ليلة السابع من تموز لعام ١٩٥٣م، ارتحل عن هذا العالم إلى الرفيق لأعلى.

ترك الشيخ أحمد رضا آثاراً علمية واجتماعية ومقالات وغيرها، وأهمها:

نظمت جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي

بالتعاون مع بلدية (خربة سلم) إحتفالاً تكريمياً

لسماحة العلامة المقدس الشيخ محمد خليل دبوق (طاب ثراه)

في البداية، تحدث عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، وممّا قاله:

أيها الحفل الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا زلنا نعيش ما حدث في محرم الحرام لعام ٦١ للهجرة، وذكرى شهادة الإمام علي بن الحسين زين العابدين Q، فعظّم الله أجورنا ورزقنا زيارة الحسين Q وشفاعته والسير على نهجه، وتعظيم شعائر الله تعالى.

ولا شك أنّ تكريمنا للعلامة المقدس الشيخ محمد خليل دبوق يندرج ضمن إطار ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ(1).

وقرية (خربة سلم)، من القرى التي كتبت مجدها بمداد علمائها ودماء شهدائها، وعطاءات كوادرها،
﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً(2).

ولا أريد أن أنسى بالخصوص القامات الشامخة التي تضمّها هذه المقبرة، أمثال: الشيخ محمد خليل دبوق، والسيد حسن الأمين، والسيد عبد المحسن فضل الله الذي عاصرناه، واستفدنا من بركاته وأخلاقه، ورعايته الأبوية للمجاهدين، وقد خرج من هذه القرية أحد كبار علماء الشيعة في القرن الثاني عشر هجري والذي هو المولى الشريف أبو الحسن الفتوني، وكريمته جدّة الشيخ محمد حسن النجفي (صاحب الجواهر)، فقد كان يُعبر عنه ببعض مباحثه الفقهية بـ (الجدّ)، مضافاً لآباء المولى الفتوني ولعلماء آخرين، وهناك أدباء وشعراء وأساتذة جامعات قد خرجوا أيضاً من هذه القرية.

جبل عامل من المراكز الإسلامية الكبرى، الذي نهض بهذا الإسلام العزيز، وميزته أنه لم يكن مجرّد مركز سائر على خُطى أهل البيت R، وإنّما كان رائداً، وموجهاً لكثير من المواقع والأماكن التي انضمت إلى قافلة الموجهين وحُماة هذا الدين.

وبالأخص إيران في القرن التاسع للهجرة قبل خمسمائة عام، عندما صمّم المحقق الكركي والثاني على الإطلاق، أن يذهب إلى إيران سنة ٩١٦هـ، ويبدأ بنشر الفقه والحديث والتفسير، وشيّد المدارس، وأطلق العنان للوكلاء، فكان رائد الرحلة العاملية إلى إيران في بداية قيام الدولة الصفوية على يد الشاه إسماعيل الأول.

وعلماء جبل عامل، كانوا يُعانون الأمرّين من العثمانيين، الذين اتخذوا هذا الدين معبراً لنزواتهم وجشعهم، وأطماعهم التوسعية، مستغلّين التعصب المذهبي، ومستفيدين من الجهلة والظلاميين ووعاظ السلاطين.

ولعلّ أسوء مرحلةٍ مرت على جبل عامل في العهد العثماني هي مرحلة النكبة سنة ١٧٨١م، واستمرت إلى سنة ١٨٠٤م عندما هَلَكَ الوالي العثماني أحمد باشا الجزار.

فدمروا البلاد والعباد، وحرقوا المكتبات وسجنوا وقتلوا وشرّدوا العلماء في الأمصار.

المرحلة التي كان فيها العلامة الشيخ محمد خليل دبوق، مرحلة النهضة العلمية الثانية لجبل عامل، والتي انطلقت من (كوثرية السياد) على يد الشيخ حسن القبيسي، ومن بعده كان الشيخ عبد الله نعمة والسيد علي إبراهيم والشيخ محمد علي عز الدين، وعمل هؤلاء على تشييد المدارس الدينية، وتدريس الطلاب، ثمّ إرسالهم إلى النجف الأشرف لاستكمال التحصيل العلمي.

ومن هؤلاء التلاميذ، كان الشيخ محمد خليل دبوق والشيخ حسين مغنية والشيخ جعفر مغنية والسيد محسن الأمين والسيد محمد رضا فضل الله. وكان دور هؤلاء تثبيت الحياة العلمية الثانية في جبل عامل، وهذا الدور والمسؤولية لا يمكن أن نمرّ عليها مرور الكرام، لما لها من أهمية في بناء جبل عامل العلمي والأدبي.

عاش الشيخ محمد خليل دبوق حوالي الخمسين سنة، قضاها بالعلم والتبليغ والزهد والعبادة، ولم يكن الشيخ دبوق قدوة للناس وإنّما كان قدوة للعلماء أيضاً.

في تلك المرحلة، كانت السِمة العامة لعلماء الدين هي الزهد والتقوى والعبادة، والقدوة الصالحة، ولكن عندما نجد العلماء وأصحاب التراجم، يتحدثون عن زهده وتقواه، بشكل منفرد، ثم يأتي أستاذه السيد نجيب فضل الله في مدرسة العلامة الشيخ موسى أمين شرارة سنة ١٢٩٨هـ، ويفرض عليه أن يُصلي بهم جماعة، لتكون الصلاة التي تنفع لهم يوم القيامة، فكم يكون المقام الذي وصل إليه الشيخ محمد دبوق في عالم الكمالات والأخلاق.

هذه المرتبة التي وصل إليها لم تكن قراراً اتخذه ليكون زاهداً فسار عليه، بل هو سلوك وجهاد للنفس وتطابق بين القول والعمل، وأضرب لكم مثالين:

الأول: كان صديقه الشيخ أحمد بري، قد دعاه على الغداء، ووضع له (ورق عريش محشواً باللحم والرز)، وفجأةً توقف الشيخ دبوق عن الطعام، فقال له الشيخ أحمد بري: هل هناك عيب في الطعام؟

فقال له: لا، وإنما وجدت نفسي الخبيثة تأكل بشهية، فأردت مُعَاقبتها.

الثاني: عندما كان في مدرسة الشيخ موسى أمين شرارة، ومعه السيد الأمين والشيخ حسين مغنية والسيد محمد رضا فضل الله وغيرهم، كان يُدرّسهم السيد نجيب فضل الله، واستأجروا منزلاً بعيداً عن البيوت، واحتاجوا إلى من يجلب لهم كل يوم جرّة ماء من العين مقابل أُجرة، فذهب السيد نجيب ومعه الطلبة إلى ذلك الرجل الذي عنده بنت، ليطلبوا منه أن تأتي ابنته كل يوم بجرة ماء مقابل الأجرة، وهنا وقف السيد يعظه ويذكره بالآخرة، ويأتي له بالروايات التي تحثُّ على مساعدة المؤمنين، فكيف إذا كانوا طلاب علم، وهذا الرجل لا يستجيب، فأعاد عليه السيد نجيب نفس الموعظة، فغضب الرجل، وقال له: «شايفني طبل حتى تنفخني»، وعاد السيد نجيب، ومعه المشايخ يجرون أذيال الخيبة، إلّا أن الشيخ محمد دبوق، وهو أكبر المشايخ سناً تبرع أن يأتي لهم، بالماء بدل هذه المرأة.

هذا السلوك من التواضع وخفض الجناح للمؤمنين، هو الذي أوصل الشيخ محمد خليل دبوق إلى هذه المكانة السامية، فأذلّها في طاعة الله، ففتح الله له باب الرشاد والعناية، فلم ينافس أو يحسد أحداً على حطام الدنيا، ولم يتمنَّ لنفسه ما عند الآخرين.

زهده هذا، لم يمنعه من مسؤولياته، ولم يكن منطوياً على نفسه، فكان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.

ومضافاً لمكانته التي كان يتمتع بها أمام الناس، فكان يمتلك أسلوباً مميزاً، يراعي فيه مشاعر الآخرين، فهو يريد أن ينصحهم، لا أن يُدينهم، ولهذا كان يستخدم الشعر والأمثلة والإعراض في طريقة النهي عن المنكر.

ذات يوم، استغاب جماعةٌ أحد الأشخاص في محضره، فلم ينهرهم ويُعنفهم، بل استنكر عليهم ببيتين من الشعر، هما:

نَحنُ مَا بَينكُمْ في حَالةٍ

قَلَّ أن نقضيَ منها عَجبَا

إن سَكتنَا مسَّنا الضر وإن

نَحنُ لم نسكُتْ أسأنَا الأدبا

وكان M يعتمد الشعر، لأمرين:

الأول: كي ينشر الأدب والشعر، ويحافظ على اللغة التي باتت مهددة من قبل العثمانيين.

الثاني: كي لا يجرح مشاعرهم، وبدل من أن يدينهم فهو ينصحهم.

وكان يعتمد الشعر في أكثر المناسبات ويستشهد به، وكان من جملة مقتنياته عباءة يلبسها بالنهار، ويلتحف بها بالليل، وهي عجيبة غريبة، وعنده مخدة تشبه كل شيء إلا المخدة، وكان يُضرب بها المثل، وذات مرة قال بحقها بيتين من الشعر:

ورُبَّ مَخدةٍ زَرقَاء أَمسَى

لَهَا حَشوٌ يَفوقُ الشوكَ لِينَا

جَعلْتُ رِبَاطَهَا البابير كيما

تزيدُ ملاحة وتَقلُّ شَينَا

وذات مرة، استعار أحد المشاغبين منه كتاباً، ولعلّه (قطر الندى في النحو)، وكان مجلداً تجليداً فنياً، وهذا الرجل احتاج إلى جلد ليضع فيه حرزاً، فما كان منه إلّا أن جوّف الكتاب، وأخذ قطعة من الجلد، وعندما عاد الشيخ من سفره طالب بالكتاب فوجده (مجوفاً)، فأعاب فعل الرجل ببيت من الشعر، وقال:

وقد يُهلِكُ الإنسانَ كثرةُ مَالِه

كما يُذبحُ الطاووس من أجل ريشه

إذاً، هي إدانة وهي نصيحة وتبصرة، ولو كان نثراً لما بقي كلامه إلى اليوم.

صحيح الشيخ محمد دبوق اشتهر بزهده وتقواه، إلا أنه كان عالماً عاملاً جليلاً، قدوة العلماء والأعيان، ووصفه السيد عبد الحسين شرف الدين، فقال: «كان الشيخ محمد دبوق مقدماً في العلوم العربية كلها، مثقفاً فاضلاً في الفقه وأصوله، معدوداً في حفظة الحديث وإثباته، ضليعاً في تفسير القرآن».

كان رحمه الله من المساهمين الأوائل في إعادة الحياة العلمية الثانية إلى جبل عامل، وكان في طليعة من ذهب إلى النجف الأشرف بعد رحيل الشيخ موسى أمين شرارة سنة ١٣٠٤هـ، ولكن وضعه الصحي لم يُساعده على البقاء، فعاد بعد ٥ سنوات، أي سنة ١٣٠٨هـ، وأكمل تحصيله على العلامة السيد علي محمود الأمين في شقراء.

وعندما دنت منه الوفاة، وكان قد علم ذلك، وتسجل كرامة له، فأرسل إلى أستاذه السيد علي محمود الأمين قصيدة يُخبره فيها عن دنو وفاته:

يا قاصداً شقراء زُرْ

سَامِيَ الذُرى مُحي الفضائل

حامي شريعةَ جَدّهِ

عَنْ أن تُصابَ بسهمِ صَائلِ

والثُمْ يديه وقلْ لَهُ

عَني مَقالةَ غيرِ غافلِ

إنّي أخصُّكَ بالسلامِ

وبَثِّ أشواقيَ القواتلِ

وأقولُ قَولَ مُحقّقٍ أني إلى مولاي راحلِ

ولما وصل الخبر إلى السيد علي محمود الأمين، طلب من الحاضرين الإسراع بالسير إلى خربة سلم، عَلهمّ يدركوه حياً، وفي الطريق وصلهم خبر رحيله، فكان في الخامس من محرم الحرام سنة ١٣١٧م الموافق لسنة ١٨٩٩م.

في الختام ما أحوجنا اليوم إلى أمثال هذا العالم الزاهد القدوة، كي نستنير بنور علمه، ونتزوّد من بركاته، وخصوصاً في هذا الزمن، التي باتت فيه المظاهر تأكل من عقولنا وقلوبنا.

ونحن اليومَ نمرُّ بمرحلةٍ أخطر من مرحلة النكبة التي مرّتْ على جبل عامل سنة ١٧٨١م، من قبل العثمانيين، ففي تلك المرحلة كان العهد الصفوي في إيران، والبلاد الأخرى مُحيّدةً تعيش بين مدٍ وجزر، بينما اليوم لو انتصر العثمانيون الجدد لما بقي حجرٌ على حجر لا في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق، ولا في إيران وبقية دول المنطقة. ولكن كما فشلوا يوم اجتمع العالم علينا في عدوان تموز ٢٠٠٦م، و أرادوا من الإنتصار علينا، أن يكون معبراً لشرق أوسطي جديد، لا مكان فيه للقيم والكرامة والعروبة، وتكون فيه شعوب المنطقة عبيداً عندهم. وكما نصرنا الله عليهم نتيجة إخلاصنا وثباتنا، كذلك سوف نتنصر إن شاء الله على هذه الحرب الكونية التي تُخاض ضد محور المقاومة.

وعلى ما يظهر، فنحن أمام فيلم أمريكي طويل، يموت فيه الممثل ويبقى المخرج، ولا خيار أمامنا إلا الصبر والثبات، وأمريكا ما لم يُمسّ أمنها لا تقبل بالحوار، وهي لا تملك الحد الأدنى من الحيثيات الإنسانية كي تراهن عليها، هربت من العراق سنة ٢٠١١م، ومن دون شروط أو مكاسب بسبب الخسائر التي مُنيت بها، واليوم عادت من بوابة داعش وهي الراعي الأول للإرهاب والممول له، فالتكفيريون بالنسبة إليها ربح صافي، والسلاح الذي يُقتل فيه المسلمون من مختلف المذاهب، مدفوع الثمن من قبل بعض الأنظمة العميلة لها.

وأعتقد أن الحلّ هو أن تتمكن شعوب المنطقة من وضع حدٍ للغطرسة الأمريكية، من خلال إيجاد ردع حقيقي للدول العميلة لها، على طريقة الردع الذي صنعناه في لبنان ضد الغطرسة الإسرائيلية.

وفي موضوع الإستحقاق الرئاسي، إذا كان هناك من أحدٍ يجب أن يُشكر فهم الشهداء والجرحى وعوائلهم، الذين تمكنوا بفضل جهادهم من حفظ لبنان وحمايته وفرض تحييده عن محيطه، وبالتالي السير باتجاه انتخاب رئيسٍ للجمهورية، فهناك من ربط هذا الإستحقاق بنتائج حرب سوريا، وكان سماحة الأمين العام لحزب الله ، أول من دعى إلى لبننة هذا الإستحقاق، وعدم انتظار نتائج حرب سوريا، أو رضا السعودية، بالنسبة إلينا لا نريد أن نلتفت إلى الخلف نحن نريد أن نأكل العنب.

ثمّ كانت كلمة لإمام بلدة (خربة سلم) سماحة السيد عبد الصاحب فضل الله، وممّا جاء فيها:

.. عندما نقف في ذكرى رجل من رجالات هذه البلدة الكريمة، بل من رجالات جبل عامل المنير في تاريخه برجاله ومواقفه، والمعطاء بعلمائه ومجاهديه ومثقفيه المتنورين، بنور أهل بيت العصمة.

رجلٌ يعبق من تاريخه التقوى والعلم والعلاقة الصادقة مع الله سبحانه وتعالى، عنيتُ به المقدّس المرحوم الشيخ محمد دبوق المتوفى سنة ١٨٩٩م كما هو مكتوب على بلاطة قبره، والذي نجتمع اليوم لنحيي ذكراه بعد ١١٧ سنة من تاريخ وفاته. وهذا إن دلّ على شيء، فإنه يدلّل على أن مدرسته في الزهد والتقوى لا زالت حتى اليوم تترك آثرها في الأجيال المتعاقبة، عند قراءتها في سطور صفحات الكتب النيرة.

وكيف لا يكون ذلك، وهو الرجل الذي ترك بصماته في جبل عامل، في مرحلة من المراحل التي لم يكن التطور الحديث المتشعب الأدوار قد وصل بعد، وهو الذي ذكره السيد الأمين في أعيانه، قائلاً بحقه: «كان عالماً فاضلاً شاعراً أديباً تقياً ورعاً خشناً في ذات الله، ومرناً في دفع الغيبة..».

وهو أيضاً، الذي يروى عنه في (صلاة الاستسقاء)، وذلك عندما حبست السماء مطرها، واجتمع الناس لصلاة الاستسقاء في الوادي بين القرى الثلاث: (مجدل سلم) (قبريخا) (الصوانة)، حيث قُدِّم الشيخ دبوق للصلاة، ورفع عمامته، ثم طرحها أرضاً، وتوجه نحو السماء، قائلاً: «أمطرها، وهذه عمامتي». فما كان إلا وقت قليل، وإذا بالمطر قد بدأ بالتساقط ليحيي الأرض والنفوس.

وأيضاً، من مواقفه (قضية الصيد) في محضر زعيم زمانه في جبل عامل آنذاك خليل بك الأسعد، وذلك عندما سأل عن (حكم الصيد)، فما كان من الشيخ دبوق إلا أن أجابه، قائلاً: «صيد من مثلي حلال، لأنه قوتي وقوت عيالي، ومن مثلك صيده حرام لأنه للهو». وبعد هذه الإجابة من الشيخ أثار دهشة الزعيم، ومخاوف العلماء على حياة الشيخ دبوق من بطش الزعيم الذي لم يكن يعرف الشيخ دبوق من قبل. ولكن الزعيم، قام وسأل الحاضرين، عن هوية هذا الشيخ، فأجابه الشيخ دبوق بنفسه، قائلاً: « أنا محمد دبوق، أبي سكّاف»، ثم تابع الزعيم أسئلته قائلاً: «ومن أين تعيش؟» فأجابه الشيخ: «الذي خلقني يرزقني»، وبعد هذه المحادثة بين الشيخ دبوق والزعيم، التفت الأخير إلى الحاضرين، قائلاً: « أنا مؤمن، لما لا تنصحوني»، وقيل أيضاً، أنه أمر بقطعة أرض للشيخ محمد خليل دبوق.

أما عن (خربة سلم) التي هي حاضرة من حواضر جبل عامل، هذه البلدة الوادعة الواعدة، التي تجلس على سبع أو ثمان جبال، إضافة إلى البلدة القديمة، والتي وصفها المقدس الوالد بقصيدة، قائلاً:

فيها شوارع في العلو

تجاوزت برج القمر

هذه البلدة التي تضم في سجل عائلاتها، الكثير من العائلات المتعددة من السادة وغيرهم، كـعائلة (آل دبوق) المتفرعة في أكثر من مكان في جبل عامل وصور.

وقد تميزت هذه البلدة بعلماء أجلاء عبر تاريخها، فكان لكل منهم الدور الفاعل المؤثر في جيله، والذي منهم: من نحن في تكريمه اليوم الشيخ محمد دبوق  {، والسيد حسن الأمين الذي كان عالماً عاملاً مؤثراً، والسيد عبد المحسن فضل الله الذي ترك أثراً إيجابياً على المرحلة التي عاشها علماً وعملاً وجهاداً.

ومن يدخل مقبرة هذه البلدة، يرى فيها ثلاث مقامات، لثلاث علماء أبدال، راقدين فيها، وفوق كل مقام قُبة. مما أعطاها رهبة وهيبة لكل داخل إليها، إضافةً إلى جمالها الطبيعي.

وأتذكر عام ٢٠٠٣م، أقامت جمعية التضامن الإسلامي حفلاً تكريمياً لـ ٧٥ أستاذاً قضوا في التعليم مدّة ٢٥ سنة بحضور وزير التربية، وقُدّمتْ لهم ميداليات تذكارية، وهذا إن دلّ على شيء يدل على ازدهار الثقافة في هذه البلدة، وإذا قُرنت بالدور الروحي للعلماء الروحانيين، أنتجت مجتمعاً متكاملاً متماسكاً مترابطاً، وقد ورد في الخبر: «من سنّ سنّة حسنة كان له مثل من عمل بها، ومن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزر من عمل بها».

رحم الله شيخنا الجليل، وشكر الله سعي أخينا سماحة الشيخ حسن بغدادي الذي أخذ على عاتقه إحياء هذا التراث العلمائي، فله الأجر والثواب.

كما كانت كلمة ترحيبية لرئيس بلدية (خربة سلم) الأستاذ حسين ماجد، جاء فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

راعي احتفالنا عضو المجلس المركزي في حزب الله سماحة الشيخ حسن بغدادي، أصحاب السماحة والفضيلة، السادة المشايخ الكرام، سعادة النواب الحاليون والسابقون، القادة العسكريون في الجنوب، سعادة القائم مقام سعادة السفير، رؤساء وأعضاء المجالس البلدية والاختيارية، المدراء العامون الحاليون والسابقون، مدراء المدارس والأساتذة وممثلوا الجمعيات الخيرية والثقافية، وممثلو الأخوة في حركة أمل وحزب الله، السيدات والسادة الحضور الكريم.

السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته، وأهلا وسهلا بكم.

بفضل العلماء يقول الله في محكم كتابه العزيز الحكيم، أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم بفضل الله بسم الله الرحمان الرحيم﴿‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ(3).

﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ‏(4).

{بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} (5)

صدق الله العلي العظيم.

ويقول أيضاً: في آيات الغيث، بسم الله الرحمان الرحيم ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ، وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ، وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللهُi مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(6).

صدق الله العلي العظيم

آيات بينات تختصر سيرة شيخنا المقدس المرحوم الشيخ محمد خليل دبوق (طيب الله ثراه)، نقتبس من سيرته الزكية زهد عابدٍ وثقة بالرحمن الرحيم متيقن بالإجابة، عابدٍ زاهدٍ مقدسٍ ككثير من علماء جبل عامل الأشم، عالمٌ نفتخر بأن تحضنه وأمثاله من العلماء والشهداء تراب جبانة (خربة سلم) منارة جبل عامل، وأترك سيرته الذاتية للمتحدثين بعدي، مع افتخارنا لتشرفنا بتنظيم هذا اللقاء مع جمعية الإمام الصادق Q لإحياء التراث العلمائي بتكريمه، وشكراً لكم لتشريفنا بحضوركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قدم للحفل، سبط المحتفى به الشيخ عباس حمادي، وحضره رئيس لقاء علماء صور الشيخ علي ياسين، وحشد من علماء الدين، وفعاليات، وشخصيات، ومهتمون.

وفي الختام قدمت جمعية الإمام الصادق Q وبلدية (خربة سلم) درع تقدير لعائلة المكرم الشيخ محمد خليل دبوق بمناسبة الإحتفال التكريمي لسماحته.


(1) سورة الحج / ٣٢.

(2) سورة الأحزاب/ ٢٣.

(3) سورة المجادلة/ ١١.

(4) سورة سبأ/ آية ٦

(5) العنكبوت/ ٤٩.

(6) سورة الجاثية.

أقرب الناس من درجة النبوة

أهل العلم و الجهاد

الرسول الأكرم محمد P

ضمن سلسلة ندواتها الفكرية:

تتشرف جمعية الإمام الصادق Q

لإحياء التراث العلمائي

بدعوتكم إلى حضور الندوة الفكرية تحت عنوان:

الفكر المقاوم عند علماء جبل عامل

وتأثيره على جيل الشباب

الشهيد القائد علي فياض(الحاج علاء)» نموذجاً»

تعالج الندوة:

احتياطه الشرعي منعه من صرفها

كما خشي أن تكون معبراً لتقوية السلطان

إنّه العلامة الزاهد والتقي الشيخ محمد بن الشيخ حسن (صاحب المعالم) نجل الشهيد الثاني، فقد ترك جبل عامل بسبب الضغوط العثمانية التي مورست على هذه العائلة، وعلى بلدة (جباع)، فسكن مكة المكرمة، ومات فيها ودفن بالقرب من قبر السيدة خديجة Q سنة ١٠٣٠هـ.

ذات يوم أرسل إليه الأمير يونس الحرفوشي أحد أمراء البقاع، مع أحدهم إلى مكة المكرمة (خمسمائة قرش)، وكان للأمير اعتقاد كبير بالشيخ محمد، وضمّ إلى المبلغ كتاباً يرجوه فيه أن يقبل هذه الهدية، وهي من خالص ماله الحلال، وأنه زكّاه قبل أن يرسله إليه، وعندما وصل هذا الميلغ إلى الشيخ محمد، رفض استلامه، لأنه خشي أن يكون مخلوطاً بالحرام، ومن جهة ثانية لا يريد أن يكون هذا المال سبباً في إعانة هذا الأمير على ظلم أحد، وخصوصاً أن زهد الشيخ محمد وقلقه على آخرته هو الذي دعاه أن يترك بعلبك، المحكومة لأمراء الحرافشة، ويسكن في مكة المكرمة، ويكون فيها أستاذاً وعابداً زاهداً، وعندما أراد أن يرجع المال مع الرسول، قال له الرسول: «لا ينبغي ذلك، وعيالك في بعلبك، وهو يحترمك كثيراً، ولسوف يفهم الأمور على عكس ما أنت عليه»، فقال له الشيخ محمد: «إذاً استبقِ هذا المال عندك، وفي كل سنة بعد موسم الحج أرسل له مع الحجيج بقسط من المال هدايا من العطور والقماش حتى لا يبقى من ماله شيء».

هذا الإحتياط والمناقبية لهؤلاء الأجلاء، هو الذي أوصلهم إلى هذه المكانة الرفيعة، فأذاقهم الله تعالى حلاوة العلم، كما أذاقهم حلاوة الإيمان والزهد، فَزهّدهم في الدنيا، وكرّههم فيها، وحبّب إليهم الآخرة، فكانوا كما قال الإمام علي Q: «فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها مُعذبون».